التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سقوط الحق في جريمة استعمال الطرق الاحتيالية للتهرب من الضريبة المستحقة


المؤلف : زكي خير الأبوتيجى المحامي
  المصدر : مجلة المحاماة - مصر سنة 1953
 
بحث متى يبدأ سقوط الحق في جريمة استعمال الطرق الاحتيالية للتهرب من الضريبة المستحقة

مجلة المحاماة – العدد السادس والسابع
السنة الثالثة والثلاثون
بحث
متى يبدأ سقوط الحق في جريمة استعمال الطرق الاحتيالية للتهرب من الضريبة المستحقة
لحضرة الأستاذ زكي خير الأبوتيجى المحامي لدى محكمة النقض ووكيل مجلس الدولة سابق
ً
(1)
تمهيد:
تضارب القضاء في تعيين بدء سريان مدة السقوط في جريمة استعمال الطرق الاحتيالية بقصد التهرب من الضريبة المستحقة المنصوص عليها في المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 فذهبت بعض المحاكم إلى اعتبار مبدأ هذه المدة تاريخ تقديم الإقرار الغير الصحيح من الممول عن أرباحه إلى مصلحة الضرائب ثم سار البعض الآخر وراء الرأي القائل بأن العبرة بتاريخ اكتشاف ما اشتمل عليه ذلك الإقرار من تدليس لهذا يجب اعتبار بدء سريان مدة سقوط هذه الجريمة منذ تاريخ هذا الاكتشاف.
وقد نشر أخيرًا في العدد الأول من مجلة الضرائب بحث مسهب عن هذا الموضوع بنى على القول بأن سقوط الحق في هذه الجنحة لا يبدأ إلا من تاريخ اكتشاف الغش والتدليس الواقع في الإقرار المقدم من الممول إلى مصلحة الضرائب.
ثم أصدرت محكمة النقض أخيرًا بتاريخ 27 فبراير سنة 1952 حكمًا لم يُنشر بعد في القضية رقم (454) سنة 21 قضائية وأخذت بهذا المبدأ.
ولسنا في حاجة إلى الإشارة بوجوب الرجوع إلى القواعد العامة المقررة في تعيين مبدأ سقوط الدعاوى العمومية إطلاقًا وتطبيقها على الجريمة المنصوص عليها في المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 إذ لا معنى لأن تخرج أو تشذ عن القواعد المقررة قانونًا للجرائم الأخرى ما دام الشارع لم يخصها بنص يعد استثناءً من هذه الأحكام العامة.
ومرد هذا البحث بيان نوع هذه الجريمة هل هي جريمة وقتية أي يتم ارتكابها فورًا بمجرد تقديم الإقرار الذي يشوبه التدليس إلى مصلحة الضرائب أو أنها جريمة مستمرة.
وأهمية ذلك ظاهرة للعيان لأنه إذا كانت هذه الجريمة وقتية تسري مدة السقوط ابتداءً من وقوع الفعل الذي كون الجريمة، وبعكس ذلك إذا كانت مستمرة فتبدأ مدة السقوط من تاريخ آخر عمل من الأعمال المكونة للجريمة – مثال ذلك جريمة القتل أو الضرب أو السرقة فإن سريان مدة السقوط تبدأ من تاريخ الفعل الذي ارتكبه المتهم بخلاف جريمة حبس إنسان بدون وجه حق فإن سقوط الدعوى العمومية لا يبدأ إلا من تاريخ انتهاء فعل الحبس لأن الحبس والحرمان من الحرية فعل لا ينتهي ارتكابه فورًا بل يستمر طالما أن المجني عليه محروم من حريته بفعل المتهم.
والمناط في هذا كله تعريف الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة والفرق بينهما للحكم على ما إذا كانت الجريمة التي نحن بصددها تعتبر وقتية أو مستمرة.
تعريف الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة:
غير خافٍ أن تشريعنا الجنائي اشتق في جميع مبادئه الأساسية وأصوله من التشريع الجنائي الفرنسي ولهذا يتعين الرجوع إلى ما ذهب إليه الفقهاء الفرنسيون في بيان الفارق بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة.
قال العلامة جارو في كتابه شرح قانون العقوبات الفرنسي الجزء الأول ص (246) ما ترجمته أنه:
(يجب للحكم على ما إذا كانت الجريمة تندرج تحت نوع الجرائم الوقتية أو الجرائم المستمرة تحليل تعليقها القانوني ولا أعرف أساسًا قانونيًا للتفريق بينهما خيرًا من هذا، ولهذا يمكن التحقق مما إذا كانت الجناية أو الجنحة أو المخالفة مستمرة أو وقتية من درس عناصرها المكونة لها، فالسرقة مثلاً تتكون قانونًا من اختلاس الشيء المملوك للغير لا من حفظه وحجزه، وكذلك جريمة تعدد الزواج (في فرنسا) والتي تتكون من فعل واحد وهو عقد الزواج الثاني قبل انفصام الزواج الأول لا المعيشة مع زوج آخر معيشة مخالفة للقانون).
وقال جرسون في كتابه – التعليقات على قانون العقوبات المادة الأولى ص (50) بند (48):
(تبدو أهمية التفرقة بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة في سقوط الحق في رفع الدعوى العمومية أو الدعوى الخاصة، ففي الجرائم الوقتية يبدأ السقوط من تاريخ ارتكاب الفعل الذي يعاقب عليه القانون، وفي الجرائم المستمرة يبدأ السقوط من اليوم الذي انتهى فيه الفعل الجنائي بغض النظر عن التاريخ الذي بدأ فيه وأن تطبيق هذه القواعد يؤدي إلي وجوب اتباع الحل العملي في مسألة تقسيم الجرائم إلى وقتية أو مستمرة وذلك بالبحث ودرس التعريف القانوني لكل جريمة بالذات وأننا لا نقطع بأن الجناية أو الجنحة أو المخالفة جريمة وقتية أو مستمرة إلا من طريق درس العناصر المكونة لكل منها).
وقد أفاض في هذا البحث العلامة (دونديه دى فابر) في كتابه الحديث القانون الجنائي والتشريعات المقارنة ص (111) بند (171) فقال:
(إن الجريمة الوقتية هي التي تتم في فترة من الوقت بارتكاب فعل يستغرق برهة قصيرة وبعكس ذلك الجريمة المستمرة التي تتكون من حالة إجرامية قابلة لأن يمتد أمدها كثيرًا أو قليلاً مثل جريمة الحبس بدون وجه حق التي تستمر طالما أن المحبوس يحرم من حريته أو جريمة حمل النياشين والألقاب بدون حق أو جريمة إخفاء الأشياء المسروقة.
ويجب الاحتراس من الخلط بين الجريمة المستمرة والجريمة الدائمة (
Delit permanent) لأن الجريمة الدائمة يجوز أن تكون وقتية أيضًا بمعنى أنها يجوز أن يتم ارتكابها في برهة وجيزة، ولكن يترتب عليها أن تتخلف عن الجريمة حالة قد تطول رغم أن الفعل الجنائي قد تم وقوعه وانتهى، ومن هذا القبيل فعل المالك الذي يبني منزله بارتفاع أعلى من المرخص به قانونًا فإن هذه جريمة وقتية ولو أنها دائمة الأثر ولهذا يبدأ سريان مدة السقوط بالنسبة لهذه الجريمة من تاريخ وقوع فعل التعلية المخالف للوائح).
(يراجع هذا المبدأ في حكم محكمة النقض الفرنسية المنشور في مجلة سير سنة 1932 جزء أول ص(100)).
وقد أخذ شراح قانون العقوبات المصري بهذه القواعد الصحيحة فجاء في موسوعة المبادئ الجنائية لجندي عبد الملك جزء (3) ص (30) ما يأتي:
(الجريمة الوقتية هي التي ترتكب دفعة واحدة في برهة من الزمن، والجريمة المستمرة هي التي يستغرق ارتكابها زمنًا قصيرًا أو طويلاً)، وجاء أيضًا في بندي (31) و (34) (والجريمة الوقتية تنتهي بوقوع الفعل أو الترك المعاقب عليه مهما كان الزمن الذي صرف في تحضيره أو تنفيذه ومهما كانت النتائج التي ترتبت عليه وهذه صفة معظم الجرائم)، ولمعرفة ما إذا كانت جريمة ما من الجرائم الوقتية أو من الجرائم المستمرة يجب الرجوع إلى تعريفها القانوني فبحث الأركان المكونة لكل جناية أو جنحة أو مخالفة هو الذي يعين ما إذا كانت وقتية أو مستمرة) وجاء في هذا المرجع الأمثلة الآتية على الجرائم المستمرة: (جريمة التشرد وجريمة الاختفاء من العسكرية وإدارة محل بدون رخصة)، والأمثلة على الجرائم الوقتية (خطف الأطفال وخيانة الأمانة وهرب المسجونين إلى غير ذلك).
وقد اضطرد قضاؤنا العالي على هذه المبادئ السليمة فجاء في حكم محكمة النقض الصادر في 2 مايو سنة 1931 في قضية الطعن رقم (1155) سنة 48 قضائية والمشار إليه في الموسوعة الجنائية جزء (6) ص(31) ما يأتي:
(إن جريمة الامتناع عن تسليم طفل لمن له حق حضانته شرعًا يعتبر من قبيل الجرائم المستمرة استمرارًا متتابعًا أو متجددًا بمعنى أن الأمر المعاقب عليه فيها يتوقف استمراره على تدخل إرادة الجاني).
وفي الحكم الصادر أيضًا من محكمة النقض في أول فبراير سنة 1943 (المنشور في مجموعة محمود عمر ص (20) جزء (6)) قالت محكمتنا العليا ما يأتي:
(إنه للتمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة يجب الرجوع إلى الفعل الذي يعاق عليه القانون، فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهي بمجرد ارتكاب الفعل كانت وقتية، أما إن استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة والعبرة بالاستمرار هنا هي بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعًا متجددًا، فإذا كانت الواقعة هي أن المتهم (وهو شيخ بلد) قد وقع على كشف لعائلة نفر القرعة أثبت فيه على غير الحقيقة أنه وحيد والديه في حين أن له أخًا شقيقًا أسقط اسمه من الكشف بقصد تخليص نفر القرعة المذكور من الخدمة العسكرية فإن الفعل المسند إلى المتهم يكون تم وانتهى بالتوقيع على كشف عائلة النفر المقصود إعفاؤه من الاقتراع على صورة تؤدي إلي تحقيق الغرض المنشود إذ المتهم بعد ذلك لم يتدخل في عمل من شأنه إعفاء النفر من القرعة).
وفي آخر حكم لمحكمة النقض في هذا الصدد وهو الصادر في 14 مارس سنة 1950 والمنشور في مجلة المحاماة العدد الأول سنة 31 ص (35) قالت المحكمة: (لما كان الفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو الفعل الذي يعاقب عليه القانون فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهي بمجرد ارتكاب الفعل كانت وقتية، أما إن استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن تكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة والعبرة في الاستمرار هنا هي بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعًا متجددًا، فإذا كانت الواقعة أن المتهم أقام بناءً بدون ترخيص وخارجًا عن خط التنظيم فإن الفعل المسند إليه يكون قد تم وانتهى من جهته بإجراء هذا البناء مما لا يمكن معه تصور حصول تدخل جديد من جانبه في هذا الفعل ذاته ولا يؤثر في هذا النظر ما قد تسفر عنه الجريمة من آثار تبقى وتستمر إذ لا يعتد بأثر الفعل في تكييفه قانونًا فإذا كانت المحكمة قد اعتبرت الجريمة مستمرة فإن الحكم يكون قد أخطأ في القانون).
ويخلص مما تقدم بيانه من أقوال الفقهاء ومن القاعدة التي جرت عليها محكمتنا العليا أنه للتمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة يجب الرجوع إلى تعريفها القانوني والبحث في عناصرها التي تتكون منها والمناط في ذلك التمييز هو طبيعة الفعل، فالفعل في الجريمة الوقتية يتم ويرتكب دفعة واحدة وفي برهة من الزمن بعكس الفعل في الجريمة المستمرة، فإنه يستغرق زمنًا في ارتكابه، وفوق ذلك تجب مراعاة الفيصل الذي رسمته محكمة النقض في أحكامها المشار إليها آنفًا وهو أن في الجريمة المستمرة تتدخل إرادة الجاني تدخلاً متتابعًا متجددًا، ففي مخالفة إدارة محل بدون رخصة تتدخل إرادة المتهم في إدارة المحل إدارة مستمرة مخالفة للوائح، وكذلك الحال في جريمة التشرد فإنها حالة مخالفة للقانون تستلزم إصرار المتهم على الاستمرار فيها.
جريمة استعمال الطرق الاحتيالية للتخلص من أداء الضريبة، جريمة وقتية وليست مستمرة:
ورد النص الآتي في المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939
(تعاقب كل مخالفة لأحكام المواد (9) و (12) و (14) و (20) و (21) و (24) و (26) و (29) و (32 مكررة) و(43) و (44) و (47) و (48) و (49) و (64) و (65) و (66) و (67) و (68) و (69) و (70) و (71) و (80) من هذا القانون بغرامة لا تزيد على ألفي قرش وزيادة ما لم يدفع من الضريبة بمقدار لا يقل عن 25 % منه ولا يزيد على ثلاثة أمثاله).
(ويعاقب بغرامة لا تتجاوز خمسين جنيهًا والزيادة المشار إليها في الفقرة السابقة على كل مخالفة لأحكام المواد (10) و (13) و (22) و (23) من هذا القانون).
(ويعاقب بالعقوبة والزيادة المشار إليهما في الفقرة السابقة كل من استعمل طرقًا احتيالية للتخلص من أداء الضرائب المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها وذلك بإخفاء أو محاولة إخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة).
ويتعين الآن تعريف هذه الجريمة ودرس عناصرها القانونية للتحقق مما إذا كانت من الجرائم الوقتية أو المستمرة.
أما العناصر المكونة لهذه الجريمة والمنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 فهي: أولاً: العنصر المادي وهو استعمال الطرق الاحتيالية.
ثانيًا: أن تكون هذه الطرق احتيالية بإخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة أو محاولة ذلك.
ثالثًا: العنصر المعنوي وهو توفر قصد التخلص من أداء الضريبة لدى المتهم.
أما الركن الأول وهو استعمال الطرق الاحتيالية فإن المقصود من كلمة (استعمال) إنما هو الارتكاب أي ارتكاب الطرق الاحتيالية ولهذا لا يجب الخلط بين لفظة (الاستعمال) في هذا المقام وكلمة (الاستعمال) في عبارة (استعمال الورقة المزورة) فالبون شاسع بينهما معنى وقانونًا وبيان ذلك أن استعمال الطرق الاحتيالية معناه ارتكاب فعل الاحتيال وهذا الفعل يتم وينتهي بمجرد ارتكابه ودليل ذلك أن في جريمة النصب المنصوص عليها في المادة (336) من قانون العقوبات قد ورد النص على عقاب من يتوصل إلى الاستيلاء على مال الغير، وجاء النص في هذه المادة هكذا (أو باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة...... إلخ) وفي المادة (338) من قانون العقوبات ورد النص على عقاب من ينتهز فرصة احتياج وضعف وهوى نفس شخص لم يبلغ سنة الحادية والعشرين، ويحصل منه على كتابة (أيًا كانت طريقة الاحتيال التي استعملها) وفي المادة (313) فقرة (4) من قانون العقوبات ورد النص على عقاب السرقة إذا اقترنت بظرف (استعمال مفاتيح مصطنعة).
ولا يختلف اثنان في أن جميع هذه الجرائم التي يكون فعل الاستعمال عنصرًا من عناصرها على هذه الصورة هي جرائم وقتية وتتم بمجرد ارتكاب الفعل وذلك لأن كلمة (استعمال) أو (استعمل) بمعنى ارتكب.
ولا نزاع أيضًا في أن الإجماع استقر على أن جريمة النصب هي جريمة وقتية ويتم وقوعها بمجرد أن يستعمل الجاني طرقه الاحتيالية ولم يقل أحد بأنها جريمة مستمرة.
ويخلص مما تقدم بيانه أن الركن المادي وهو فعل استعمال الطرق الاحتيالية الذي يجب توافره في الجريمة المنصوص عليها في المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 إنما هو فعل يتم وينتهي بمجرد ارتكاب هذه الطرق.
وبعكس ذلك جريمة استعمال الأوراق المزورة فإنها قد تكون أحيانًا جريمة مستمرة إذا تابع الجاني فعل الاستعمال وجدده والفرق بين عبارة (الاستعمال) في الجرائم السالف إيضاحها، وفي جريمة استعمال الورقة المزورة أن لفظة (الاستعمال) في الجريمة الأخيرة لا يمكن تفسيرها بالارتكاب فلا يصح أن يقال ارتكاب الورقة المزورة بدلاً من استعمال الورقة المزورة فلفظة (استعمال) في هذه الجريمة لها معنى يختلف عنه في الجرائم السالف ذكرها ومعناه قانونًا الاستمرار في التمسك بالورقة المزورة والاستناد إليها والدفاع عنها أمام القضاء أو غير ذلك وسيأتي شرح هذه المسألة شرحًا وافيًا.
أما العنصر الثاني للجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 هو أن تكون الطرق احتيالية بإخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة أو محاولة ذلك، وهنا نلاحظ أن الشارع لم يكن موفقًا في استعمال عبارة ( إخفاء مبالغ) لأن هذه العبارة مضللة وقد تؤدي إلى اللبس بالإخفاء المادي كأن يخفي الجاني شيئًا ماديًا مسروقًا أو غير ذلك الأمر الذي يستلزم حتمًا استمرار الفعل المتواصل للاحتفاظ بالشيء المادي الذي يخفيه الجاني، ولكن عبارة (إخفاء المبالغ) بعيدة كل البعد عن هذا المعنى ومعناها الظاهر الذي لا يحتاج إلى شرح أو تفسير هو إخفاء الحقيقة وذلك بعدم ذكر المبالغ أو عدم بيانها على حقيقتها في الإقرار المقدم أو محاولة ذلك - ومن هذا يتضح جليًا أن عبارة (إخفاء المبالغ) ليس المقصود بها الإخفاء المادي والحسي بل المعنوي أي إسقاط المبالغ وعدم ذكرها وذكر بيانات غير صحيحة في الإقرار وهذا لا محالة فعل وقتي يتم ويقع وينتهي بمجرد ارتكابه ويستحيل تصور أنه فعل مستمر.
أما العنصر الثالث وهو الركن المعنوي فإن قصد التخلص من أداء الضريبة هو القصد والباعث لارتكاب الجريمة وهو لا يدل على شيء من الاستمرار بل يقترن بالفعل المادي بطبيعة الحال ويدون معه وجودًا وعدمًا.
ومما تقدم بيانه يمكن وضع الفقرة الأخيرة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 بعبارة أوضح من التزام المعنى الذي قصده الشارع وهي كالآتي:
(يعاقب بالعقوبة والزيادة المشار إليها في الفقرة السابقة كل من ارتكب طرقًا احتيالية للتخلص من أداء الضرائب المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها، وذلك بإخفاء الحقيقة وعدم ذلك المبالغ الصحيحة التي تسري عليها الضريبة، أو محاولة ذلك).
وبهذه العبارات يتضح جليًا أن الجريمة المذكورة ليست إلا جريمة وقتية تقع وتتم وتنتهي فورًا.
هذا ما كان من تحليل عناصر الجريمة وتعريفها القانوني، ولو استندنا إلى المناط الذي وضعته محكمة النقض وهو الفيصل في التفريق بين الجرائم الوقتية والمستمرة لقطعنا وجزمنا بأن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 إنما هي جريمة وقتية لا ريب فيها، وذلك لأن محكمة النقض اضطردت في أحكامها على الأساس الذي وضعته لتمييز الجريمة المستمرة أنها الجريمة التي تدخل إرادة الجاني في استمرارها تدخلاً متتابعًا مجددًا مثل إدارة محل عمومي بدون رخصة، فإن إرادة الجاني تتكرر وتتجدد دائمًا لاستمرار هذه الإدارة المخالفة للقانون، وكذلك جريمة حبس الشخص بغير حق فإن إرادة المتهم متدخلة تدخلاً متتابعًا ومتجددًا لاستمرار حرمان المجني عليه من حريته وهكذا، أما في جريمة استعمال الطرق الاحتيالية التي هي عبارة عن إسقاط بعض المبالغ في الإقرار المقدم إلى مصلحة الضرائب للتخلص من الضريبة فإن الفعل فيها يتم بمجرد وقوعه وينتهي ارتكابه بمجرد حدوثه ولا يصح القول بأن إرادة الممول تتدخل تدخلاً متتابعًا متكررًا ومجددًا في استعمال الطرق الاحتيالية كما في حالة حبس الشخص بدون وجه حق - إذ أن الممول قد تم ارتكاب فعله بمجرد أن قدم الإقرار إلى مصلحة الضرائب بما فيه من بيانات غير صحيحة.
ولبيان ذلك نتساءل ما هي الأفعال الأخرى التي تنقص إتمام هذه الجريمة بعد أن قدم المتهم الإقرار المشتمل على البيانات بالمبالغ المستحقة - وكيف يتصور تدخل إرادته بعد ذلك تدخلاً متتابعًا متكررًا بعد وقوع هذا الفعل؟
إن هذه الجريمة تشبه من بعض الوجوه الجريمة التي هي موضوع حكم محكمة النقض الصادر في أول فبراير سنة 1943 والمشار إليه آنفًا وهي الفعل الذي أسند إلى شيخ البلد بأنه وقع على كشف لعائلة نفر القرعة وأثبت فيه على غير الحقيقة أنه وحيد والده بقصد تخليص نفر القرعة، فقد قضت محكمة النقض أن هذه الجريمة وقتية لا مستمرة لأن الفعل المسند إلى المتهم قد تم وانتهى بالتوقيع على كشف عائلة النفر المقصود إعفاؤه من الاقتراع.
ووجه الشبه قائم بين تلك التهمة والجريمة موضوع هذه التهمة من حيث إنها جريمة وقتية لأن الممول قد تمت جريمته وانتهت بمجرد تقديمه الإقرار إلى مصلحة الضرائب الذي يشتمل على البيانات الغير الصحيحة بقصد التخلص من الضريبة.
ومما يتصل أيضًا بهذا البحث من بعض الوجوه جريمة تقديم البلاغ الكاذب فإنه لا عقاب على هذه الجريمة إلا إذا ثبت كذب البلاغ بطريقة قاطعة، فهل يبدأ سريان مدة السقوط من تاريخ تقديم البلاغ الكاذب أو من تاريخ ثبوت كذب البلاغ وهل تعتبر الجريمة وقتية بمجرد تقديم البلاغ أم مستمرة إلى يوم ثبوت كذب البلاغ؟ إن الرأي بين العلماء قد استقر أخيرًا على أن مدة السقوط فيها تبدأ من تاريخ تقديم البلاغ ويقول (جارو) في كتاب شرح قانون العقوبات جزء (6) ص (21) بند (2343):
(إن مبدأ سريان مدة سقوط جنحة البلاغ الكاذب يجب أن يحتسب من تاريخ وصول المكتوب المشتمل على البلاغ إلى السلطة الحكومية لا من يوم ثبوت كذب الوقائع المدونة فيه).
وقال العلامة جارو أيضًا في هامش هذا المرجع ما معناه (لقد قالوا إن كذب الوقائع هي عنصر جوهري في تكوين جريمة البلاغ الكاذب، وأن البلاغ الكاذب لا يعتبر كذلك إلا من يوم ثبوت الكذب، ولكن في هذا القول خلطًا ظاهرًا بين كذب البلاغ وبين إثبات ذلك الكذب، وإثبات ذلك البلاغ ليس عنصرًا من عناصر الجريمة بل إن العنصر الجوهري هو ارتكاب الكذب في الوقائع المبلغ عنها، فجريمة البلاغ الكاذب تتم وتتوافر عناصرها إذن بمجرد أن يقدم البلاغ إلى القضاء أو الجهة الإدارية عن الوقائع المكذوبة.
وخلاصة القول:
إن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 جريمة وقتية لا جريمة مستمرة ويستتبع هذا أن مدة سقوط الحق في رفع الدعوى العمومية عن هذه الجريمة تبدأ من تاريخ تقديم الإقرار من الممول عن حساباته الذي يشتمل على ذكر بيانات غير صحيحة بقصد التخلص من أداء الضريبة.
الرد على أصحاب الرأي المخالف:
أولاً: قالوا إن المادة (48) من هذا القانون فرضت على الممول أن يقدم إقرارًا صحيحًا شاملاً لمجموع أرباحه وأن إثبات رقم الأرباح ليس خاضعًا لمشيئة الممول حتى يثبت ما يرى إثباته من بيانات بل يجب أن يكون بيانًا حقيقيًا متفقًا مع واقع الأمور وأنه لو استبحنا لكل ممول أن يذكر في إقراره ما شاء له هواه لكان الالتزام بتقديم الإقرار عبثًا لا طائل منه، ولهذا فمن يقدم إقرارًا غير صحيح إنما يخل بالالتزام بتقديم الإقرار ويعتبر شأنه كشأن من لم يقدم إقرارًا البتة وقد جرى القضاء على اعتبار من امتنع عن تقديم الإقرار مرتكبًا لجريمة مستمرة تظل ما دام الإقرار وما دام الحق في الضريبة قائمًا.
ولكن هذا تفسير لا يتمشى مع المنطق القانوني إذ لا يصح لا قانونًا ولا منطقيًا اعتبار جريمة الامتناع عن فعل شيء كجريمة ارتكاب الفعل فالأولى جريمة سلبية محض والأخرى جريمة تتم بارتكاب الفعل ارتكابًا إيجابيًا والفرق شاسع بين الأمرين لا يحتاج إلى إيضاح فجريمة الامتناع عن تقديم إقرار الممول وهي جريمة سلبية أهم عنصر فيها أن يحجم الممول عن تقديم الإقرار في المدة المقررة قانونًا، وطالما أنه لم يقدم فالامتناع المخالف للقانون قائم وبالتالي تكون الجريمة مستمرة، ولكنه في اليوم الذي يقدم فيه الإقرار تزول جريمة الامتناع من الوجود زوالاً تامًا وسواء في ذلك أكان إقراره صحيحًا أم غير صحيح، ومن هذا يتضح جليًا كيف أن فعل تقديم الإقرار يذهب بجريمة الامتناع عن التقديم ويؤدي إلى زوالها، فالامتناع عن تقديم الإقرار وتقديم الإقرار فعلان متناقضان ماديًا ومتنافران قانونًا، ولا يمكن إقامة وجه الشبه بينهما لأن حكم كل منهما يناقض حكم الآخر فقياس فعل تقديم الإقرار الغير الصحيح على الامتناع عن تقديم الإقرار قياس غير صحيح منطقيًا وقانونًا إذ كيف يصح في الأذهان القول بأن جريمة تقديم الإقرار الذي يشتمل على بيانات غير صحيحة هو امتناع عن تقديم الإقرار مع أن الواقع ينقض هذا نقضًا باتًا إذ أن الإقرار قدم فعلاً وحقًا.
ويستندون في هذا الوجه أيضًا إلى ما ورد في نص المادة (49) من القانون رقم (14) لسنة 1939 من أن الممول يظل ملزمًا بتقديم الإقرار المشار إليه ولو كان تحديد الأرباح حاصلاً بطريق التقدير، ولكن هذا النص مقصور على مد مدة الالتزام بتقديم الإقرار ليس إلا ولا شأن له بمد مدة التقادم في الدعوى العمومية، والعمل بهذا النص لا يمنع من سقوط الحق في رفع الدعوى العمومية من يوم تقديم الإقرار إذا قدم فعلاً رغم أن تحديد الأرباح كان حاصلاً بطريق التقدير، ومن هذا يتضح جليًا أن النص الوارد في المادة (49) لا يقدم ولا يؤخر في مد سريان مدة السقوط اعتبارًا من تاريخ تقديم الإقرار.
ثانيًا: يقولون أيضًا إن القضاء جرى على اعتبار جريمة استعمال الأوراق المزورة جريمة مستمرة تظل حالة الاستمرار فيها قائمة ما دام استعمال الورقة المزورة والإصرار عليها قائمًا، وعلى أساس هذا النظر يكون استعمال الإقرار غير الصحيح بتقديمه للمأمورية وما اقترن ذلك من استعمال أوراق أخرى غير صحيحة – شأنه في ذلك شأن استعمال الأوراق المزورة الذي هو جريمة مستمرة إذ لا فارق بينهما من حيث طبيعة الفعل وطبيعة الورقة - ويعتبر الممول مصرًا على هذا الاستعمال طالما الحق في الضريبة وفي تحصيلها لا زال قائمًا.
ونلاحظ على هذا القول الملاحظات الآتية:
1 - أن القضاء لم يجرِ كقاعدة مطردة على اعتبار جريمة استعمال الأوراق المزورة جريمة مستمرة لأن هذا يتوقف على طبيعة فعل الاستعمال فتارة تكون جريمة وقتية وتارة جريمة مستمرة فإذا تقدم الجاني إلى أحد البنوك وصرف الشيك المزور مع علمه بالتزوير، فتعتبر استعمال الورقة المزورة في هذه الصورة جريمة وقتية قد تمت وانتهت بمجرد تقديم الشيك وصرفه ولا يعتبر الاستعمال هنا جريمة مستمرة لأنه لا محل لتدخل إرادة الجاني بعد أن قدم الشيك، وبعد أن قبض الجاني قيمته - كذلك إذا سلم الجاني العقد المزور للتسجيل فيعتبر أنه استعمل ورقة مزورة وتنتهي جريمة الاستعمال بارتكاب هذا الفعل وبعكس هذا إذا قدم أحد الخصوم المستند المزور أمام المحكمة ثم ترافع على أساس التمسك به فحكم ضده فاستأنف الحكم وترافع أمام محكمة الاستئناف مستندًا إلى هذا المستند وظل في مرافعاته ومذكراته يرتكن إلى هذا المستند المزور فيعتبر في هذه الحالة استعمال الورقة المزورة مستمرًا لأن إرادة الجاني تدخلت تدخلاً متتابعًا - كما تقول محكمة النقض - في جميع مراحل الدعوى بالتمسك بهذا المستند والاستناد إليه - هذا هو الفارق بين جريمة استعمال الورقة المزورة الوقتية وبين المستمرة وقد قال العلامة جارو في شرح قانون العقوبات جزء ص (14).
(إن جريمة التزوير هي أصلاً جريمة وقتية ولكن جريمة استعمال الأوراق المزورة قد تكون إما جريمة مستمرة أو جريمة وقتية تبعًا لطريقة ارتكاب الفعل).
وفي هامش هذا المرجع ضرب العلامة جارو مثلاً لجريمة الورقة المزورة الوقتية بالشيك المزور الذي يقدمه الجاني إلى البنك ويقبض قيمته وينصرف، كما ضرب مثلاً آخر لجريمة استعمال الورقة المزورة المستمرة بتقديم عقد الوصية المزورة والاستناد إليه في دعوى مدنية.
لهذا لا يصح القول بأن القضاء جرى على اعتبار جريمة استعمال الأوراق المزورة جريمة مستمرة في كل حال.
ويقول المرحوم أحمد أمين في كتابه شرح قانون العقوبات ص (292) (جريمة التزوير جريمة وقتية تتم بمجرد ارتكابها، أما جريمة الاستعمال فقد اختلف في وصفها وتضاربت فيها أحكام المحاكم ففي بعض الأحيان قضى بأنها جريمة مستمرة وحكم في أخرى أنها وقتية).
وتطبيقًا لهذه القاعدة التي فصلناها يجب اعتبار جريمة التحايل من الممول الذي استعمل الطرق الاحتيالية بتقديم الإقرار الغير الصحيح جريمة وقتية لا ريب فيها، لأن الجريمة تم ارتكابها بمجرد تقديم الإقرار الغير الصحيح وهذا الفعل يشبه فعل تقديم الشيك المزور إلى البنك إذ لا محل لتدخل إرادة الممول بعد ذلك إرادة إيجابية متتابعة متكررة.
ثالثًا: يستند أصحاب الرأي المخالف إلي عبارة (إخفاء المبالغ) الواردة في نص المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 ويقولون إن الإخفاء بطبيعته عمل يتجدد ويستمر شأنه في ذلك الإخفاء المعاقب عليه ولكن فاتهم أن الفرق شاسع بين إخفاء الحقائق والبيانات وهو مجرد الكذب في الأوراق أو إثبات وقائع غير صحيحة، وهذا فعل وقتي يتم فورًا، وبين الإخفاء المادي كإخفاء الجاني من وجه القضاء أو إخفاء جثة القتيل، أو إخفاء الأشياء المسروقة فكل هذه صور من الإخفاء الواقع على الأشياء المادية الحسية الذي يستلزم استمرار فعل الإخفاء وتدخل إرادة المتهم تدخلاً متتابعًا لبقاء هذه الأشياء مخفية في حيازته، أما الإخفاء الوارد في نص الفقرة الأخيرة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 إنما هو إخفاء معنوي وهو تغيير الحقائق والبيانات الصحيحة الخاصة بالأرباح وهذا فعل وقتي لا يجب أن يقاس على إخفاء الأشياء المادية.
والفرق ظاهر بين الإخفاء للشيء المادي الحسي الذي يعبر عنه علماء الفقه الفرنسي بكلمة
Récèlement وبين إخفاء البيانات الصحيحة وهو المعروف بلفظة Dissimulation.
ولا شك في أن الذي جر إلى عدم التفريق بينهما هو اتحاد اللفظ العربي (إخفاء)، وإطلاقه على كلا الفعلين، بينما أن الفرق في المدلول القانوني شاسع جدًا فإخفاء الشيء المسروق أو الأشخاص الهاربين من وجه القضاء أو إخفاء جثة القتيل لا بد لوقوعه من تدخل إرادة الجاني تدخلاً متتابعًا مستمرًا في نقل وحفظ الشيء المسروق في محل محجوب وستره عن مالكه أو عن عيون الناظرين فإرادة الجاني المجددة المستمرة وسعيه المتواصل في هذه الأفعال هو العامل الأول في ارتكاب جريمة إخفاء الشيء المسروق وكذلك في إخفاء جثة القتيل وفي إيواء الهارب إلى غير ذلك، أما في جريمة إخفاء البيانات الصحيحة
Dissimulation فالفعل يقع بمجرد إخفاء الحقيقة بواسطة درج البيانات الكاذبة في الإقرار والميزانيات والحسابات المقدمة ولا يتطلب الأمر سعيًا من المتهم ولا إرادة متجددة مستمرة بعد ما أوضحه في الإقرار المتقدم منه - لهذا كان وجه الشبه معدومًا بين الفعلين.
وقال العلامة هس في كتابه شرح قانون العقوبات البلجيكي جزء أول ص (274):
(إن إخفاء شخص أو شيء معناه منع اكتشافه أو ظهوره أو العثور عليه ويكون هذا المنع مصحوبًا بالقصد الجنائي، والإخفاء يتطلب أولاً نقل الشخص أو الشيء من محله ثم حجبه وستره أو تغييره بحيث لا يمكن معرفة محله، وفي هذه الحالة يكون الإخفاء في مبدئه فعلاً وقتيًا ولكنه يتجدد بإحداث نقل جديد للشخص أو الشيء المخفي وبأفعال تستر جديد وهذا ما تتكون منه جريمة الإخفاء، يضاف إليه فعل آخر هو حفظ وحيازة الشخص أو الشيء المخفي وإبقاءه بعيدًا عن عيون السلطات الحكومية أو عن الأشخاص الذين لهم مصلحة في ظهور هذا الشخص أو الشيء، وفي هذا يتضح كيف أن الجريمة تمتد وتستمر بعد ارتكاب أول فعل).
وهذا التحليل الدقيق لمعنى الإخفاء الحسي والمادي الذي أفصح عنه هذا المؤلف بكل جلاء يظهر البون الواسع بين إخفاء الأشخاص والأشياء وإخفاء البيانات الصحيحة في الإقرارات أو إخفاء الحقيقة في الحسابات هذا الفعل الذي يقع بمجرد سرد البيانات الكاذبة وكتابتها ثم تقديمها.
ولا يستساغ عقلاً القول بأن إخفاء البيانات الصحيحة يتم بأفعال أخرى تصدر من المتهم لسترها أو حجبها وعدم إظهارها عن ذوي المصلحة أو نقلها من عيون المراقبين إلى غير ذلك مما لا يتفق طبعًا مع فعل الإخفاء المعنوي.
وإننا نسرد هنا بعض الجرائم التي أجمع الفقه والقضاء في فرنسا ومصر على اعتبارها جرائم مستمرة:
1 - جريمة حمل السلاح ضد الوطن.
2 – حمل السلاح بدون رخصة.
3 – حمل نشان أو كسوة بدون وجه حق.
4 – قيادة جيش بدون حق.
5 – التدخل في أعمال الوظائف العامة.
6 – رئاسة عصابة مسلحة.
7 – جميع الجرائم التي تتكون من فعل التآمر والاجتماع غير المشروع.
8 - الاتفاقات الجنائية.
9 – حجز الأشخاص وحبسهم بدون وجه حق، (ولكن خطفهم هو فعل آخر يعتبر جريمة وقتية).
10 – إخفاء الأشخاص كإخفاء الجواسيس أو الأطفال بدون حق شرعي أو إخفاء الأشياء المسروقة.
11 - إدارة محلات القمار.
12 – إدارة محلات التسليف.
13 – حيازة مكاييل وموازين مزيفة.
14 - حيازة وعرض مأكولات ومشروبات مغشوشة.
15 – عرض صور مخلة بالآداب في واجهات المحلات التجارية. 16 - إحداث حفر في الطريق العام وشغله بالأشياء التي تلقى فيه... إلخ.
وواضح من هذا البيان استحالة قيام وجه الشبه بين هذه الأفعال وفعل إخفاء الحقيقة وذكر البيانات الغير الصحيحة في الميزانيات والحسابات والإقرارات التي تقدم من الممول إلى مصلحة الضرائب، لأن تلك الأفعال تتطلب تدخل إرادة المتهم تدخلاً مستمرًا مجددًا كما قالت محكمة النقض وينعدم هذا الشرط انعدامًا كليًا في إخفاء البيانات الصحيحة كما سلف الإيضاح.
(2)
عدم اكتشاف الجريمة لا يؤثر على سقوطها
يخلص مما تقدم أن الجريمة التي نحن بصددها تقع فورًا ويتم ارتكابها بمجرد محاولة الإفلات من دفع الضريبة، وذلك بمجرد تقديم الإقرار بغض النظر عما يتلو ذلك من حوادث أخرى كإغفال المصلحة للإقرار أو عدم فحص حسابات الممول أو عدم تحديد أرباحه تحديدًا نهائيًا.
ومن المجمع عليه فقهًا وقضاءً أن بقاء الجريمة طي الخفاء إلي أن ينكشف أمرها لا يؤثر على سريان مدة سقوط الدعوى العمومية بأي حال من الأحوال ولا يقف سير هذا السقوط للجهل بالجريمة. وقد جاء في مجلة العلوم الجنائية الفرنسية سنة 1937 ص (640) مقالاً للعلامة أرهارد جاء فيه ما يأتي:
(إن سقوط الدعوى لا يقف لأن الجريمة ظلت مجهولة وأن حكمة تشريع سقوط الدعوى العمومية إنما محلها عندما تظل الجريمة خافية عن علم رجال الضبطية القضائية أو إذا علم المجني عليه متأخرًا بوقوع الجريمة بسبب غيابه، ولو أن الإفلات من العقاب في مثل هذه الحالة مبغوض إلا أن القضاء قد استقر بحق على هذا المبدأ نظرًا لما يترتب على وقف سير سقوط الدعوى العمومية بسبب هذه البواعث من مضار وإذا اسثنيت حالة الغياب أو المرض أو غير ذلك من العوائق والأعذار يفوت الغرض من شرع قاعدة التقادم وسقوط الجريمة، ولا يغرب عن البال أن مرور الزمن الذي يسدل ستارًا من النيسان على الجريمة والذي يؤدي إلي زوال الأدلة هو حكمة تشريع سقوط الدعوى العمومية الذي يجب أن يكون حكمه حكمًا عامًا في جميع الأحوال).
وقد أخذت محكمتنا العليا بهذا المبدأ السليم، إذ قالت محكمة النقض في حكمها الصادر في 11 مايو سنة 1936 (مجموعة محمود عمر الجنائية جزء (3) ص (600)).
(إن القاعدة العامة في سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية هي أن يكون مبدأ السقوط تاريخ وقوع الجريمة بالذات دون أن يؤثر في ذلك جهل المجني عليه بوقوعها وليست خيانة الأمانة مستثناة من هذه القاعدة).
وفي حكم آخر صدر في 4 ديسمبر سنة 1939 (مجموعة محمود عمر جزء (5) ص (34)) قالت محكمة النقض:
(إن سن القاصر إزاء وصية إذا اختلس اله ليس لها أي أثر في التاريخ الذي تقع فيه جريمة الاختلاس، إذ المناط في تحديد تاريخ الجريمة هو بحقيقة الوقت الذي وقعت فيه بالفعل، فإذا وجدت أمارات تدل على حصول الاختلاس فإن وقوع الجريمة يعتبر من وقت وجود هذه الأمارات).
ومن هذا يظهر بجلاء أن عدم اكتشاف الجريمة لا أثر له بالمرة على سريان مدة السقوط، فإذا أغفلت مصلحة الضرائب فحص الحساب مدة طويلة حتى انقضت المدة المقررة لسقوط الحق في الدعوى العمومية أو إذا ظلت حقيقة البينات غير معروفة طوال هذه المدة أو إذا لم تقم النيابة العمومية بالتحقيق في هذه الجريمة لأي سبب مهما كان نوعه ومهما بلغت أهميته وخطورته فليس هذا كله بحائل دون سريان مدة سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية.
وقد نقل الشارع هذا المبدأ السليم المجمع عليه في القانون الجديد للإجراءات الجنائية، إذ ورد النص في المادة (816) منه كالآتي: (لا يقف سريان المدة التي تسقط بها الدعوى الجنائية لأي سبب كان).
هذا وقد جاء النص في المادة (15) من قانون الإجراءات الجنائية الجديد كما يأتي:
(تنقضي الدعوى الجنائية من يوم وقوع الجريمة) ولم يقل الشارع أن مدة السقوط تبدأ من تاريخ العلم بالجريمة أو اكتشافها أو من تاريخ التحقيق فيها إلى غير ذلك كما تقول محكمة أول درجة في حكمها.
ومما يقطع في الدلالة على أن العلم بالجريمة أو اكتشافها أو ثبوت أركانها لا أثر له بالمرة في سريان مدة سقوط الدعوى العمومية، التاريخ التشريعي للمادة (279) من قانون تحقيق الجنايات التي تنص على أن السقوط يبدأ من (يوم ارتكاب الجناية) إذ أن هذه المادة مأخوذة من نص المادة (637) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي التي ورد النص فيها على أن مبدأ سريان مدة السقوط هو يوم ارتكاب الجريمة.
à COMPTER DU JOUR Où LE CRIME AURA éTé COMMIS.
ويظهر قصد الشارع بجلاء من مقارنة النصوص التشريعية التي كانت سارية المفعول في فرنسا قبل تشريع المادة (637) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي، وكيف أن الشارع قد أبدل النصوص القديمة التي كانت تقضي باحتساب مبدأ سريان مدة السقوط من تاريخ العلم بالجريمة أو من تاريخ ثبوتها لا من تاريخ وقوع الجريمة وكيف أن الشارع الفرنسي نسخ هذا النص وجعل مبدأ سريان السقوط من تاريخ وقوع الجريمة وارتكابها، وسار وراءه الشارع المصري في ذلك، وبيان هذا ما يلي:
ورد النص في المادة (21) وما بعدها من القانون الفرنسي الصادر في 17 من إبريل سنة 1878 والقانون الصادر في شهر بريمور ثم في القانون الصادر في 6 أكتوبر سنة 1791 على أن تبدأ مدة التقادم
du jour où le délit avait été connu et légalement constaté أي من يوم العلم بالجريمة وثبوتها قانونًا، ولكن الشارع الفرنسي عدل عن هذه القاعدة بالنص الوارد في المادة (637) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي المعمول به للآن والذي جاء فيه أن مبدأ سير التقادم في الجريمة من يوم وقوع الجريمة وارتكابها.
(du jour où le crime aura été commis).
وهذه السلسلة التاريخية التشريعية وعدول الشارع الفرنسي عن القاعدة القديمة إلى القاعدة التي تقضي بسريان مدة السقوط ابتداءً من وقوع الجريمة، وسير الشارع المصري وراء الشارع الفرنسي في المادة (279) من قانون تحقيق الجنايات المصري ثم في المادة (15) من قانون الإجراءات الجنائية - كل هذا قاطع في الدلالة على قصد الشارع الحقيقي وأنه لا يصح بحال من الأحوال اعتبار مبدأ سريان مدة السقوط من يوم العلم بالجريمة أو من يوم اكتشاف أمرها أو من يوم ثبوتها بطريق الفحص في حسابات الممول أو غير ذلك، بل المناط في هذا ينحصر في تاريخ وقوع الجريمة ليس إلا.
ويستند أصحاب الرأي المخالف إلى الحكم الوارد في كتاب
Droit Pénal Financier للأستاذ (H.Launis) وهذا المؤلف خاص بالجرائم المالية دون سواها وهي التي تقع في مواد الشركات أو من المساهمين أو المديرين لها أو الجرائم التي تقع بواسطة إنشاء الشركات الصورية وغش الجمهور والاختلاسات التي تقع من مديري الشركات أو موظفيها إلى غير ذلك، ولم يتعرض هذا المؤلف للجرائم الضرائبية التي تندرج تحت عنوان Droit Pénal Fiscal.
أما عن موضوع ذلك الحكم فهو خاص بموظف في شركة اختلس مبالغ ثم أتلف الدفاتر والحسابات حتى انطمست معالم جريمته ولم يعد في الإمكان معرفة ما إذا كان مختلسًا أم لا فاعتبرت المحكمة أن سقوط الجريمة يبدأ من اليوم الذي أصبح في الإمكان معرفة هذا الاختلاس وقالت المحكمة الفرنسية في حكمها المذكور في ذلك الكتاب - أن سقوط الحق في تلك الدعوى لا يبدأ إلا من اليوم الذي أصبح من الميسور ماديًا إثبات وقوع الجريمة وعباراتها كالآتي حرفيًا:
La prescription ne court que le jour où il a été materiéllement possible de constater le delit.
وهذا الحكم لا محل للاستناد إليه أو القياس عليه للأسباب الآتية:
1 - لأن موضوع التهمة هي خيانة أمانة - وخيانة الأمانة تخالف موضوع الجريمة التي نحن بصددها.
2 - لأنه وارد في حيثيات الحكم أن المتهم أتلف دفاتر الحسابات وطمس كل المعالم وهذا نص العبارة حرفيًا:
(Que le prévenu avait supprimé sa comptabilité pour dissimuler ses abus de confiance).
وهذه الوقائع تخالف الصورة التي نحن بصددها فليس هنا تلف للحسابات بل قدمها الممول إلى مصلحة الضرائب للمراجعة.
3 - كان مستحيلاً استحالة مادية اكتشاف الجريمة وذلك بفعل ذلك الكاتب المختلس بسبب إتلافه دفاتر الحسابات وهذا المانع ليس من قبيل مجريات الحوادث وقيام الظروف والطوارئ بل أنه مانع خلقه المجرم المختلس وأوجده بفعله سعيًا وراء طمس معالم الجريمة وسعيه مردود عليه، وهذه الواقعة تخالف الصورة التي نحن بصددها لأن إقرار الممول قدم للمصلحة وكان في متناولها المراجعة في أي وقت، وأن تتحقق هل كان هناك إخفاء لحقيقة أرباح الممول ولم تكن هناك أية استحالة من المراجعة أو اكتشاف الجريمة.
4 - وعلى أي حال فإن نظرية وقف سير المدة المقررة لسقوط الدعوى العمومية بسبب العوائق والموانع المادية مثل تقطيع دفاتر الحسابات التي أخذ بها الحكم الفرنسي نظرية مختلف عليها بل هي نظرية مرجوحة وغير مسلم بها في الفقه أو القضاء بل قد ساد الرأي القائل بأن العوائق والموانع مهما كان نوعها لا تمنع سريان مدة السقوط كما سيأتي بيان ذلك تفصيلاً.
هذا وقد جاء في مجموعة الـ
Juris classeur قسم الضرائب تحت عنوان Auteurs de manoeuvres frauduleuses ص(24) شرحًا للمادة (146) من قانون الضرائب الفرنسي المطابقة للمادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 ما يأتي:
C’est au moment du dépôt de la déclaration souscrite par le contribuable qu'est consommée l'infraction punissable.
أي أن إيداع الإقرار هو تاريخ تمام وقوع جريمة الطرق الاحتيالية، وقد صدر حكم محكمة استئناف بوردو في فرنسا بتاريخ 9 فبراير سنة 1938 والمنشور في المجموعة الرسمية الفرنسية سنة 1938 ص: (61) بهذا المعنى إذ ورد فيه ما يأتي:
A l’egard d’un contribuable poursuivi pour déclaration sciemment inexacte fondée sur une fausse comptabilité, les manoeuvres frauduleuses, réprimées par l’article 146 du code général des impôts directs, n’ont été materiellement accomplies et pénalement réalisees, qu’au moment où le contribuable a souscrit cette déclaration. C’est donc à cette date que le délit a été consommé et qu’a commencé à courir la prescription de trois ans prévue par l’article 638 du Code d’Instruction Criminelle.
وترجمة هذا الحكم كما يأتي:
إنه بالنسبة للممول الذي يحاكم عن إقراره الغير صحيح المبني على حسابات غير صحيحة فإن الطرق الاحتيالية المعاقب عليها في المادة (146) من القانون العام للضرائب المباشرة لا يتم وقوعها ولا تتوافر الجريمة جنائيًا إلا من اللحظة التي قدم الممول إقراره، لهذا يعتبر أن الجريمة قد تم وقوعها منذ هذا التاريخ، وعلى ذلك تسري من هذا التاريخ مدة الثلاث سنوات المقررة لسقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية المنصوص عليها في المادة (638) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي (المطابقة للمادة (270) تحقيق جنايات المصري والمادة (15) من قانون الإجراءات الجنائية).
وقد سارت محكمة السين في فرنسا على هذا المبدأ في حكمها الصادر في 5 إبريل سنة 1939 والمنشور في المجموعة الرسمية الفرنسية سنة 1939 ص (486)، وقالت بأن سقوط الحق في جريمة استعمال الطرق الاحتيالية لإخفاء ما استحق من الضريبة يبدأ من تاريخ تقديم الإقرار من الممول إلى مصلحة الضرائب.
لا يقف سريان مدة السقوط بسبب عدم فحص إقرار الممول وحساباته.
من القواعد الأولية في تقادم الدعوى المدنية أن سريان مدة التقادم يقف بسبب الأعذار والموانع القهرية إلى أن تزول هذه الموانع وبعد زوالها يسري ما بقي من المدة التي وقفت والمقررة لسقوط الحق في الدعاوى العمومية.
وقد جرى علماء القانون المدني على تطبيق القاعدة اللاتينية المأثورة
Contra non valentem agere non currit prescriptio. وترجمتها (لا يسري التقادم على من كان يستحيل عليه اتخاذ أي إجراء).
وأجمع الفقه المدني والقضاء على أن التقادم لا يسري ضد الدائن الذي منعته العوائق والأعذار والحوادث القهرية عن اتخاذ الإجراءات القانونية لمنع سقوط الحق في المطالبة بدينه، وقالوا بوقف سير التقادم طوال المدة التي كان يستحيل خلالها على صاحب الحق اتخاذ الإجراءات التي تقطع مدة التقادم سواء كان السبب مانعًا قانونيًا أو مانعًا ماديًا مثل حالة الغائب أو المفقود أو الأعذار القهرية كحالة الحرب والغرق والمرض والحجر وغير ذلك من الموانع المادية (انظر مقالنا في وقف التقادم للحوادث القهرية والظروف المعجزة المنشور في مجلة المحاماة سنة 18 ص (395) وكتاب الدكتور كامل مرسي في التقادم ص (309) بند (314) وما بعده).
والبحث الآن ينحصر في هل تنطبق هذه القاعدة على سقوط الحق في الدعاوى الجنائية، وهل يقف سير سقوط الدعوى العمومية بالموانع والأعذار القهرية المعجزة.
إن الرأي الذي ساد في الفقه الجنائي يقول بعدم وقف سريان سقوط الدعوى العمومية بسبب الموانع وبعدم صحة تطبيق القاعدة اللاتينية المشار إليها آنفًا المتعلقة بالمواد المدنية على الدعاوى الجنائية، وقد عللوا ذلك بأن حكمة تشريع التقادم في المسائل المدنية تختلف عنها في الدعاوى الجنائية، ففي المواد المدنية شرع التقادم على أساس افتراض أن الدائن أهمل حقه وأغفله وقعد عن المطالبة به فيفترض أنه تنازل عنه، ولهذا لا يعتبر الدفع التقادم في الدعاوى المدنية من الدفوع المتعلقة بالنظام العام، أما في المسائل الجنائية فإن سقوط الحق في الدعاوى العمومية بمضي المدة يتصل بالنظام العام، ولهذا يجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، ثم إن سقوط الحق في الدعوى العمومية يقوم على أساس مختلف عن المسائل المدنية. وهو افتراض أن مضي الزمن يسدل على الجريمة ستارًا من النسيان ومن المصلحة العامة عدم إثارة ذاكرها مرة أخرى فضلاً عن احتمال ضياع أدلة الجريمة وطمس الحقائق بمضي المدة لهذا لا شأن للعوائق أو الأعذار القهرية أو الموانع التي تمنع المجني عليه أو النيابة العمومية من السير في الدعوى الجنائية - ولا أثر لها على سير مدة السقوط، وقال العلامة هس في كتاب شرح قانون العقوبات جزء (2) ص (555) بند (1308) في هذا الصدد ما معناه:
يجوز أن ينقطع سير المدة المقررة لسقوط الدعوى العمومية ولكن لا يصح وقفها مهما كانت الأسباب التي منعت وكيل النيابة من اتخاذ الإجراءات أو استمرار السير فيها فإن المدة التي قعد فيها عن اتخاذ هذه الإجراءات لا يمكن إنقاصها من المدة المقررة للسقوط، ومن المجمع عليه أن العائق الناشئ عن الحوادث لا يقف سريان السقوط، فلو ظلت الجريمة في طي الكتمان ولو أصاب المتهم الجنون ولو نثبت الحروب أو الاضطرابات التي تجعل السير في الدعوى العمومية مستحيلاً، فإن هذا كله لا يمنع من سريان مدة السقوط ويتم السقوط بانقضاء المدة المقررة ولو ظل المانع قائمًا خلالها - ولا يقف سير مدة السقوط حتى للموانع القانونية التي تمنع وكيل النيابة من اتخاذ الإجراءات أو السير فيها، وأن قاعدة (لا يسري التقادم على من كان يستحيل عليه اتخاذ الإجراءات) لا ينطبق على المواد الجنائية لأنها تتعارض مع الأساس الذي يقوم عليه تشريع سقوط الدعوى العمومية.
وقد ضرب هذا المؤلف أمثالاً عديدة لذلك مثل التأخير في رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب الذي لا يمنع من سقوط الدعوى العمومية إذا لم ترفع الحصانة في بحر المدة المقررة للسقوط، أو عدم صدور الحكم من السلطة المختصة بالفصل في الأحوال الشخصية خلال مدة السقوط في مسائل البنوة أو صحة الزواج أو غير ذلك إذا كانت هذه المسائل ركنًا أساسيًا من أركان الجريمة أو غير ذلك.
وهذا الرأي قال به العلامة جارو في كتابه شرح قانون العقوبات جزء (2) ص (736) بند (580) إذ جاء في هذا المؤلف ما معناه أنه من المجمع عليه أن العائق الذي يمنع وكيل النيابة من السير في الدعوى العمومية لا يمنع سريان مدة سقوطها كأن تكون الجريمة خافية، ويقول هذا المؤلف أيضًا أن أساس سقوط الحق في الدعوى المدنية مبني على قعود الدائن عن اتخاذ الإجراءات لحفظ حقوقه فمن الطبيعي أن يوقف السقوط إذا استحال عليه اتخاذ هذه الإجراءات ولكن حكمة تشريع السقوط في الدعوى العمومية لا يقوم على افتراض إغفال النيابة العمومية اتخاذ الإجراءات أو على افتراض تنازلها عنها بل على أساس أن الزمن المقرر للسقوط كافٍ لنسيان الجريمة حتى أنها أصبحت ولا ضرورة لتوقيع العقوبة عنها، ولهذا يجب أن لا يقف سريان سقوط الجريمة مهما كان نوع السبب الذي منع من رفع الدعوى العمومية، وقد أخذ الأستاذ زكي العرابي بهذا الرأي في كتابه تحقيق الجنايات ص (179) بند (337) إذ قال إن هذا الرأي هو الأكثر مطابقة للعقل وقال إنه لا يمنع سقوط الدعوى العمومية أي مانع لأنه يؤخذ من روح القانون أن سقوط الدعوى العمومية يقوم على قرينة نسيان الجريمة بمرور الزمن وأشار هذا المؤلف إلى حكم محكمة النقض المصرية الصادر في أول مايو سنة 1923 (مجموعة رسمية رقم (25) ص(113)) الذي جاء فيه أنه إذا وقفت المحكمة الجنائية النظر في الدعوى العمومية إلى أن تفصل المحكمة المدنية في دعوى مدنية خاصة بها ومضى أكثر من ثلاث سنوات على الإيقاف فإن الدعوى العمومية تسقط بمضي المدة.
وقد أخذ الشارع المصري بهذا الرأي السليم بصريح العبارة في قانون الإجراءات الجنائية الحديث إذ ورد النص الآتي في المادة (15) منه (لا يوقف سريان المدة التي تسقط بها الدعوى الجنائية لأي سبب كان).
ومتى ثبت ذلك فلا يكون هناك إذن أي تأثير على سريان مدة سقوط الدعوى العمومية ضد المتهم لأن مصلحة الضرائب تراخت بسبب الأعمال المتراكمة عندها عن فحص حساب الممول أو لأن النيابة العمومية لم تباشر التحقيق معه إلا في يناير سنة 1949 بعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ الجريمة المسندة إليه.
وإذا اعترض على ذلك بأن مصلحة الضرائب لم تعلم بعدم صحة حساباته أو بكذب إقراره المزعوم إلا بعد الفحص والمراجعة فيرد على هذا الاعتراض بأن هذا يعتبر عائقًا ماديًا لا يقف سريان التقادم، لأن جميع العوائق لا تقف سريان مدة السقوط في إقامة الدعوى العمومية كما سلف الإيضاح فضلاً عن أن هذا العائق لم يكن من الموانع القهرية التي يستحيل معها استحالة مادية اكتشاف الجريمة فإن الإقرار كان مقدمًا إلى المصلحة وكان في وسعها أن تراجعه في الوقت المناسب وأن تكتشف عدم صحة البيانات التي تزعمها بغير حق، في خلال ثلاث سنوات قبل أن تسقط الجريمة أما وقد قعدت عن ذلك فلا يعتبر قعودها حائلاً من سريان مدة السقوط.
وإلا لو أخذ بغير هذا الرأي وظلت مصلحة الضرائب مدة عشر سنوات أو عشرين سنة ولم تراجع فيها حسابات الممول لكان مصير المتهم معلقًا في أيديها، إن شاءت راجعت وإن شاءت تركته على كفة الأقدار وفي قلق دائم وتظل الجريمة دائمة باقية عشرات السنوات مع أن الشارع أراد أن يسدل عليها ستارًا من النسيان بعد انقضاء ثلاث سنوات من وقوعها ويكون فعل مصلحة الضرائب مخالفًا لقصد الشارع ولروح التشريع، بل مخالفًا للنظام العام.
ومجمل القانون أنه لا عبرة بفحص حسابات الممول سواء أجرته مصلحة الضرائب أو لم تجره خلال مدة السقوط لأن عدم اكتشاف الجريمة وعدم علم المصلحة بكذب البيانات الموضحة في الإقرار لا يقدم ولا يؤخر لأن عدم العلم بالجريمة أو عدم اكتشاف أمرها لا يمنع من سير مدة السقوط المقررة قانونًا.
يضاف إلى ما تقدم أنه طبقًا للنص الوارد في المادة (97) من القانون رقم (14) لسنة 1939 يسقط حق الحكومة في المطالبة بما هو مستحق لها بمقتضى هذا القانون بعد مضي خمس سنوات بعد استحقاق الضريبة.
فإذا فرضنا مثلاً أن الضريبة المستحقة في ديسمبر سنة 1942 سقطت طبقًا للمادة (97) من القانون المذكور بمضي خمس سنوات، فهل يستساغ عقلاً أن تقوم مصلحة الضرائب بعد عشر سنوات مثلاً أي في سنة 1950 أو بعد عشرين سنة مثلاً وتطلب من النيابة العمومية رفع الدعوى العمومية ضد الممول لمعاقبته بالمادة (85) من القانون المذكور لأنه استعمل طرقًا احتيالية للإفلات من دفع الضريبة التي سقط الحق في المطالبة بها - ألا يكون هذا تناقضًا وتنافرًا منطقيًا لا يقبله الذوق القانوني.
وقد حكمت محكمة الجنح المستأنفة بمصر في تاريخ 23 فبراير سنة 1949 (مجموعة أحكام الضرائب للجرف جزء (4) ص (527)) بأنه لا يصح وقف الدعوى العمومية حتى تقدر الضريبة نهائيًا أمام الجهات المختصة لأن القاضي الجنائي الذي يملك الفصل في التهمة يملك الفصل في جميع العناصر المكونة للجريمة وقالت أيضًا تلك المحكمة ( إن ما يكتنف أمر تحديد وعاء الضريبة من صعوبات لا يبرر القضاء بهذا الوقف).
وجاء في الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية التجارية في 22 يونيو سنة 1949 (ص (639) من مجموعة الجرف جزء (4)) أن حق الممول في المطالبة برد الضرائب المتحصلة منه بغير حق – بسبب خطئه –يسقط بمضي سنتين من تاريخ الدفع ولا عبرة بتاريخ اكتشاف الخطأ ولو كان واقعًا في نوع الضريبة المستحقة (والمحكمة في ذلك الحكم لم تأخذ بمبدأ وقف سير سقوط الحق إلى أن يكتشف الخطأ حتى في هذه المسألة التي ليست جنائية.
في التعليق على حكم محكمة النقض الأخير الذي أخذ بالرأي المخالف
ننقل هنا الأسباب الواردة في حكم محكمة النقض الصادر في 27 من فبراير سنة 1952 في قضية الطعن رقم (454) سنة 21 قضائية والتي تنهض على الرأي القائل بعدم سقوط جنحة المنصوص عليها في المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 من تاريخ تقديم الإقرار بل من يوم اكتشاف الجريمة - قالت محكمتنا العليا ما يأتي:
(وحيث إن النيابة تقول في طعنها أنه لما كانت الدعوى العمومية قد رفعت على المطعون ضده بأنه قدم بيانات غير صحيحة إلى مصلحة الضرائب فقضى الحكم المطعون فيه بسقوط الحق في إقامة الدعوى بمضي المدة لأن الجريمة المسندة إلى المتهم وقتية تتم وتنتهي من وقت تقديم البيانات الكاذبة وأن المتهم قدم هذه البيانات في 12 ديسمبر سنة 1944 ولم ترفع الدعوى العمومية عليه إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات من هذا التاريخ( فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الواقعة المسندة إلى المتهم هي أنه أخفى مبلغ.... من أرباحه بأن لم يذكر هذا المبلغ في إقرار أرباحه عن سنة 1943 وأنه لما كانت هذه الواقعة هي جريمة مستمرة تبدأ من التاريخ الذي قدم فيه المتهم إقراره بأرباحه دون أن يدون به هذا المبلغ وتبقى مستمرة ما بقي إخفاء هذا المبلغ من الإقرار إلى أن ينكشف أمره وهو لم ينكشف إلا في 12 أكتوبر سنة 1949 وهو تاريخ محضر ضبط الواقعة، وكان من هذا التاريخ فقط تبدأ مدة السقوط فإن الدعوى العمومية لا تكون قد سقطت بمضي المدة كما قضى بذلك الحكم المطعون فيه.
(وحيث إن الواقعة المسندة إلى المتهم كما هي ثابتة بالحكم المطعون فيه هي أنه باعتباره من ممولي ضريبة الأرباح التجارية والصناعية أخفى مبالغ تسري عليها الضريبة بأن لم يدون بإقرار أرباحه عن سنة 1943 مبلغ.... ولما كان النص المنطبق على هذه الواقعة هو الفقرة الثالثة من المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 الذي يقول (ويعاقب بالعقوبة والزيادة المشار إليهما بالفقرة السابقة كل من استعمل طرقًا احتيالية للتخلص من أداء الضريبة المنصوص عليها في هذا القانون وذلك بإخفاء أو محاولة إخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة) فإن الجريمة تكون جريمة مستمرة وتبقى كذلك ما دام مرتكبها يخفي تلك المبالغ إذ ما دام القانون قد جعل إخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة جريمة معاقبًا عليها فإن هذه الجريمة تتكون من حالة تقوم وتستمر ما دام هذا الإخفاء المتعمد قائمًا، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بسقوط الدعوى العمومية بمضي ثلاث سنوات من وقت وقوعها على أساس أن الجريمة (وقتية تتم وتنتهي من وقت تقديم البلاغ الكاذب) مبنيًا على الخطأ في تطبيق القانون، وتعين من أجل ذلك نقضه، وإحالة القضية إلى دائرة أخرى للفصل فيها مجددًا على هذا الأساس.
وما هو جدير بالتعليق عليه من هذه الأسباب قول محكمتنا العليا عن الجريمة موضوع هذا المقال (إن الجريمة تكون جريمة مستمرة وتبقى كذلك ما دام مرتكبها يخفي تلك المبالغ إذ ما دام القانون قد جعل إخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة جريمة معاقبًا عليها فإن هذه الجريمة تتكون من حالة تقوم وتستمر ما دام هذا الإخفاء المتعمد قائمًا).
ونلاحظ أولاً أن هذا المبدأ لا يتمشى مع القاعدة التي اضطردت في قضاء محكمة النقض فيما يتعلق بتعريف الجريمة المستمرة إذ لا يكفى لتكوين عناصر هذا النوع من الجرائم أن تتوافر حالة تقوم وتستمر بل لا بد من قيام عنصر آخر وهو كما قالت محكمة النقض حرفيًا في الأحكام العديدة التي سردناها آنفًا (العبرة في الاستمرار بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعًا متجددًا) أي لا بد من ثبوت أن المتهم أتى عملاً إيجابيًا يؤخذ منه أن إرادته قد تدخلت تدخلاً فعليًا متجددًا في الفعل المعاقب عليه والمثال على ذلك (من يودع عقدًا مزورًا في دعوى مدنية ويستند إليه في دفاعه ومذكراته التي يقدمها إلى المحكمة إلى أن يصدر الحكم في الدعوى فإن هذا المتهم يرتكب جريمة مستمرة لأن إرادته تدخلت في استمرار الفعل).
وبعكس ذلك من يقدم حوالة بوستة مزورة إلى مصلحة البريد ويقبض قيمتها ويختفي ولا يظهر التزوير إلا بعد فوات الميعاد القانوني المقرر لسقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية فإن جريمته لا تعتبر مستمرة بل وقتية لأن إرادته لم تتدخل في استمرار الفعل الجنائي والذي تم ارتكابه بمجرد تقديم الحوالة وقبض قيمتها - وهذا هو الواقع تمامًا في جريمة إخفاء المبالغ المستحقة عنها الضريبة فإن فعل الإخفاء تم ارتكابه بمجرد تقديم الإقرار وحسابات الأرباح ولم تتدخل إرادة الممول تدخلاً فعليًا ومتجددًا في قيام حالة الإخفاء أو في استمرار هذه الحالة، ولا يغير من هذا النظر أن الإخفاء أو التغيير في الحقيقة للأرباح كان متعمدًا، فالتعمد هو عبارة عن القصد لإخفاء هذه الجريمة ولا يصح القول بأن التعمد الجريمة من جريمة وقتية إلى مستمرة.
يضاف إلى ما تقدم ما أوضحناه آنفًا من الفرق الشاسع في المعنى والحكم بين إخفاء مبالغ الأرباح في الإقرار والحسابات الذي هو عبارة عن التغيير في الحقيقة (وهو إخفاء معنوي) وبين الإخفاء الحسي والمادي كإخفاء الأشياء المسروقة أو إخفاء جثة القتيل وقد شرحنا ذلك شرحًا وافيًا.
وغير خافٍ أن الشارع لم يخص هذه الجريمة بنوع خاص من سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية عنها فلماذا نخرجها إذن عن القاعدة العامة المقررة لبدء سريان مدة السقوط والتي بمقتضاها يبدأ السقوط من تاريخ ارتكاب الفعل.
خلاصة الرأي
إن هذه الجريمة إنما هي جريمة وقتية يتم ارتكابها بمجرد أن يقدم الممول إلى مصلحة الضرائب الإقرار الذي يتضمن بيان أرباحه السنوية والذي لا يطابق الحقيقة والواقع ويبدأ سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية عن هذه الجريمة بمضي ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ تقديم هذا الإقرار إلى مصلحة الضرائب ولا تعتبر هذه الجريمة مستمرة إلا إذا ثبت أن الممول أتى أفعالاً أخرى فوق تقديم لإقرار يؤخذ منها أن إرادته قد تدخلت تدخلاً متجددًا ومتتابعًا للوصول إلى استمرار إخفاء الحقيقة.


          
            

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحميل وشرح برنامج spiderplaer 2.5

هذا البرنامج لتشغيل ملفات الصوت بجودة عالية ويدعم ييغ ملفات كثيرة منها علي سبيل المثال Mp1,Mp2,Mp3,Mp4,m4a,Mpc,(Mp+,Mpp) ,AAc,Aac plus,Ac3,ogg vorbis. flac,ogg flac.tta,ape. التحميل :                                               حمل من هنا ا لتحميل من موقع الشركة:                                     من هنا

الجرد والتسويات الجردية للاصول المتداولة واهمها تسوية وجرد حسابات المدينيين

  الجرد والتسويات الجردية للاصول المتداولة " المدينون " طريقة التعامل مع الديون المستحقة على العملاء والموظفين والشركات الشقيقة  العملاء من حيث المعالجات المحاسبية والمعايير المحاسبية (المدينون) محاسبيا ، يشار إلى الديون المستحقة على العملاء والموظفين والشركات الشقيقة والعملاء على أنها حسابات القبض. وتعتبر هذه الديون أصولًا للشركة ، لأنها تمثل تدفقات نقدية مستقبلية تتوقع الشركة استلامها. تتضمن المعالجة المحاسبية للحسابات المدينة تسجيلها كأصول في الميزانية العمومية ثم تخفيضها بشكل دوري عند استلام المدفوعات . تختلف المعايير المحاسبية للذمم المدينة حسب نوع النشاط الذي تعمل فيه الشركة. بشكل عام ، تتطلب المعايير المحاسبية من الشركات تسجيل الذمم المدينة بصافي قيمتها الممكن تحقيقها ، وهو المبلغ المتوقع تحصيله بعد خصم أي مخصصات للحسابات المشكوك في تحصيلها. يتعين على الشركات أيضًا إنشاء مخصص للحسابات المشكوك في تحصيلها ، وهو تقدير لمبلغ الذمم المدينة التي لن يتم تحصيلها. يتم تسجيل هذا المخصص كحساب مقابل الأصول ، ويستخدم لتقليل رصيد الحسابات المدينة في الميزانية العمومية . بشكل عام ، ي

حساب المتاجرة : اعداد حساب المتاجرة واقفالة في الحسابات الختامية

  ما هو حساب المتاجرة حساب المتاجرة هو حساب مالي يستخدم في المحاسبة لتسجيل جميع مبيعات ومشتريات الأعمال التجارية لفترة زمنية محددة، عادة ما تكون سنة مالية. الغرض من حساب المتاجرة هو تحديد إجمالي الربح للنشاط التجاري عن طريق  طرح تكلفة البضائع المباعة من إجمالي إيرادات المبيعات. يعد الربح الإجمالي مقياسًا مهمًا للأداء المالي للشركة حيث يشير إلى مقدار الأموال التي جنتها الشركة من بيع منتجاتها أو خدماتها. في المحاسبة المالية، يشكل حساب المتاجرة جزءًا من الحسابات الختامية، والتي تشمل الميزانية العمومية وبيان  الأرباح والخسائر. الحسابات الختامية  الحسابات الختامية هي ملخص للوضع المالي للشركة وأدائها في وقت محدد، وتوفر معلومات قيمة لأصحاب المنشأة  او أصحاب الشأن، بما في ذلك المساهمين والدائنين والمستثمرين المحتملين. يعد حساب المتاجرة مكونًا مهمًا  للحسابات الختامية لأنه يوفر معلومات عن تكلفة البضائع المباعة، وهو عامل مهم في تحديد إجمالي الربح والأداء  المالي الإجمالي للشركة. تكمن أهمية حساب المتاجرة في قدرته على توفير نظرة ثاقبة لهيكل تكلفة الأعمال، وهو أمر ضروري لاتخاذ قرا